إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أعور في زمن العميان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أعور في زمن العميان

    أعور في زمن العميان
    عااشقواا ياليت تقراوها لحد النهاية
    بجانب النهر كانت أمه تغسل الثياب عندما كان هو طفل صغير حديث العهد يخطو خطواته الأولى ، يقف ويتقدم خطوتين فيتعثر كانت أمه منشغلة عنه بغسيل الملابس و الأواني ولم تنتبه أن فلذة كبدها كان يحاول أن ينجز شيئاً وهو خطو أولى خطواته ، كان يقف ويضحك ومن ثم يسقط على الأرض وبالرغم من كل آلامه إلا أنه كان يعيد الكره كان يرى تلك القطط هنا وبعض من الدجاج وصغارها هناك ، كان يشعر بسعادة كبيرة وهو ينظر إليهم ويحاول الوصول إليهم وفي كل مره كان يقف يمشي قليلاً فيقع ،حتى جاءت تلك اللحظة والتي حصل بها مالم يكن بالبال أو الحسبان وقف على قدمه وانطلق بخطوات سريعة وكأنه يطير فرحاً لأن قدمه تثبتت على الأرض ، انطلق كالعصفور وما هي إلا لحظات حتى تعثر و سقط سقطة قوية وارتطم وجهه بحجر حاد أنغرس بعينه مما أدى إلى فقدان إحدى عينيه ومنذ ذلك اليوم وهو بعين واحدة ..((أعور )).. ، كبر الأعور وأصبح عمره ثمانية أعوام و كان محط سخرية الجميع فكل من حوله كان يسخر منه لأنه بعين واحدة وكان يحزن كثيرا وتدمع عينه اليتيمة دموع الحزن والأسى .. كان دائماً يذهب عند ذالك النهر الذي فقد عنده عينه ويظل يبحث كثيراً هناك وكأنه يبحث عن إبره في كومة قش ، تراقبه أمه بحزن فتقول له بني ماذا تفعل هنا وعن ماذا تبحث ولماذا تنبش الأرض والتراب والطين بيدك ؟؟!! فيجيبها : أمي لقد قلتي لي أني عندما سقطت وأنا صغير هنا فقدت عيني وأنا أبحث عنها علي أجدها هنا أو هناك أنا أريد أن أكون كالجميع بعينين وليس بعين واحده هيا يا أمي أرجوك تعالي وابحثي معي عن عيني الأخرى علي أجدها مدفونة في التراب فألتقطها وأغسلها بماء النهر وأعيد تركيبها وأصبح مثلكم بعينين ، نظرت أمه إليه وعبارات الحزن تخنقها فتقول له : بني هذه مشيئة الله، و كانت تهون عليه وتقول: أن عينك في الجنة عند الله و على وعسى يبدلك الله خيرا منها في الدنيا والآخرة . عندما بلغ من العمر عشرة أعوام أصيبت أمه بمرض شديد فتوفاها الله، وحزن الأعور عليها حزناً كبيراً وذلك لأن أمه كانت الشخص الوحيد الذي كان يحمل له الحب والحنان ويهون عليه مصابه ، بينما كان أبوه دائم التذمر منه وكان يلعن حظه الذي جعل له ولد أعور يعيره به كل من رآه فيقول له يا أبا الأعور ، وبعد أن انقضى عام على وفاة والدته تزوج والده بامرأة أخرى ومع مضي الوقت أصبح له عدة أبناء من الزوجة الأخرى والتي كانت تعامل الأعور معاملة قاسية فكانت تعامله بازدراء ولا تسمح له بالاقتراب من أطفالها وكأنه وباء . وتمر السنوات ومازال الجميع يلقبونه بالأعور وأصبحت كلمة الأعور مقترنة به وكانت هذه الكلمة تحز في نفسه وكأنه أجرم وأذنب ذنباً، عندما أصبح في الثالثة والعشرين من العمر قرر الرحيل بعد أن ضاق بمن حوله ممن أساء له ويعيره في كل يوم بعينه ، واخذ قاربه ومضى قدماً لا يعلم إلى أين هي واجهته ، وبينما كان في وسط البحر جاءت عاصفة كبيره أدت إلى ارتطام الأمواج بقاربه ومن ثم أخذته الأمواج إلى شاطئ جزيرة مهجورة لا يقطنها أحد ، وأصبح وحيدا في جزيرة مهجورة، وبعد أن ذهب عنه الورع تفقد الجزيرة فوجد بها أشجار عديدة تحمل ثمار مختلفة فأكل من بعضها ثم وجد نبع صغير هناك فشرب منه وبعد ذلك جمع عدد من جذوع الشجر التي كانت ملقاة على الأرض وقد اقتلعتها العاصفة من جذورها فأخذ هذه الجذوع و قام ببناء كوخ صغير له ليقطن فيه ، وكان كل ليله يجمع الحطب ويضعه أمام الشاطئ ويشعل النار بها ويضع له متكئاً ينظر إلى النجوم يشعر بالوحدة يفتقد إلى صوت البشر فقد أدرك أن الجنة بدون الناس لا تطاق، وظل حزين ندم على انه ترك القرية بالرغم أنهم كانوا ينغصون عليه حياته إلا انه أعتاد على سماع أصوات مختلفة من البشر والحيوانات أما الآن فهو يعيش في وحدة قاسية .في يوم من الأيام وبينما كان جالساً على الشاطئ إذ بقارب يدنو من بعيد به العديد من الأشخاص فرح الأعور عندما شاهدهم وأسرع إليهم فوجد القارب بمقدمته حبل يتدلى فلوح بيده لهم وقال مرحباً وظل يلوح بيده والسعادة تغمره فهو منذ أشهر لم يرى بشر كان يلوح لهم لكن اتضح أن كل من في القارب أشخاص عميان فقد أجابوه: من أنت أيها المنادي نحن لا نستطيع أن نراك من أنت وأين نحن ؟؟؟، فأمسك الأعور بيد الحبل وسحب القارب إليه فتفاجأ أن من بالقارب هم أربعة من أهل قريته مما كانوا ينعتونه بالأعور وكانوا بحالة إعياء شديدة لكن الغريب في الأمر أن هؤلاء الأربعة جميعهم فاقدين البصر بالرغم أنهم من قبل لم يكونوا كذلك، فنادى الأعور عليهم بأسمائهم ثم قال : ماذا أرى ماذا تفعلون هنا وماذا حل بكم ؟؟؟، فأنصت العميان إلى الصوت وقالوا : أأنت "الأعور" ؟؟؟ أنت هو أليس كذلك؟؟، فقال الأعور: نعم أنا الأعور بذاته ، جيد إنكم مازلتم تذكروني ، فقالوا : بصوت حزين سامحنا نطلب منك السماح والعفو ، فقال أحدهم لقد كنا نسخر منك لأنك بعين واحده وقد ابتلانا الله بأن حرمنا جميعاً نعمة البصر. أشفق عليهم الأعور أكرمهم وأحسن إليهم بالرغم من أنهم هم من أشد الناس الذين كانوا يسيئون إليه وينعتونه . "بالأعور".. وبعد أن أكلوا وشربوا وامتلأت بطونهم شكروه مره أخرى على صنيعه معهم وقالوا له : سامحنا يا ...((عبد المعطي )) وكانت هذه أول مره ينادونه باسمه الحقيقي وقد استغرب "الأعور " الاسم بالرغم أن اسمه الحقيقي
    "
    عبد المعطي " لكنه نسى أمر هذا الاسم وكأنه لا يمت إليه بصله وذلك لأنه ومنذ سنين طويلة لم يسمع احد يناديه بهذا الاسم فمنذ أن توفت أمه لم يعد يسمع هذا الاسم لان أمه هي الوحيدة التي كانت تناديه باسمه الحقيقي اسم عبد المعطي وحتى العم مبروك الذي كان يعطف عليه لم يكن يناديه غير يا ولدي أو يا بني والجميع يناديه بالأعور . ثم قال أحدهم كنا نعيرك بما ابتلاك الله حتى عاقبنا الله بالجزاء وأخذ أبصارنا ، فقال الأعور : أن الله عزوجل يسامح عباده إن أخطئوا فكيف للبشر أن لا تسامح ، إن التسامح هو النهر العذب في القلوب الصافية ، أخبروني ماذا حل بكم و ما الذي جاء بكم إلى هنا؟؟ فقال احدهم لقد حل وباء على القرية ومن أعراض هذا الوباء احمرار العينين وتورهما إلى أن يفقد المرء بصره وقد كنت أنا أول من أصيب بهذا المرض وبعد فترة قليلة أصيب من حولي وانتشرت العدوى وحتى يحدو من انتشار العدوى جمعوا جميع المصابين بالمرض في مراكب ووضعوا معنا قدر لا بأس به من الطعام وقاموا بربط هذه المراكب بحبال طويلة مربوط طرفها في جذوع الأشجار في الشاطئ وبنهاية الحبل المركب وسط البحر حتى نكون في معزل عن القرية كي لا يصاب البقية بالعدوى ، وكنا نحن الأربعة في إحدى هذه المراكب وفي ليله من الليالي كانت حركة الرياح و الموج شديدة فانحلت عقدة الحبل التي كانت متصلة بقاربنا ، كنا نشعر بان المركب يتحرك بنا حاولنا أن نستنجد بمن حولنا لكنهم كانوا يسمعوننا وعاجزين عن مساعدتنا لأنهم مثلنا فاقدين البصر حاولنا أن نستنجد بأهل القرية لكن للأسف كان الجميع في سبات وأخذتنا الأمواج ، عدة أيام نحن في وسط البحر حتى نفذ كل الطعام لدينا وأصبحنا نتضرع من الجوع إلى أن جاءت بنا الأقدار إلى هنا حيث وجدناك وكانت هذه رحمة من الله بنا ، فقال لهم : لا تحزنوا قدر الله وما شاء فعل. بعد أن أحسن ضيافتهم وأسعف جوعهم قال لهم : اخلدوا الآن إلى النوم وغداً نكمل حديثنا وغطوا في نوم عميق أشرقت شمس الصباح واستيقظ الجميع وقام الأعور بتجهيز لهم طعام الإفطار واسترسل الأعور الحديث معهم وكان يسألهم عن سبب هذا الوباء وسرعة انتقاله للغير؟ فقال احدهم: قبل أن يأتي الوباء بشهر رأى العم مبروك الكفيف في منامه أن رجل يحدثه ويخبره أن وباء العمى سيعم على هذه القرية ويصيب أهلها بالعمى إلا من رحم ربي وكان يقول أن كل من كان لديه عيب بعينه لن يصيبه الوباء فاطمئن الأعور إلى حديثهم وقال في نفسه الحمد لله إذاً لن تنتقل إلي العدوى لأني بعين واحدة. شعر الأعور فيما بعد بالأنس لوجود هؤلاء الرجال معه في الجزيرة . بعد انقضاء أسبوع وفي صباح يوم جديد وبينما كان الأعور يتحدث إلى العميان وجدوا سفينة كبيرة تقترب من الشاطئ وبعد أن اقتربت أكثر اتضح أن السفينة تحمل عدد كبير من أهالي القرية التي أصابها الوباء فأصيبت بالعمى ومن بينهم شخص واحد مبصر كان يقود السفينة فتفاجأ بوجود الأعور والعميان على الشاطئ فقد كان يظن أن الجزيرة لا يقطن بها أحد من البشر فنزل القبطان من السفينة وقال : من الأعور وانتم أيضا هنا ؟؟؟!!!! ، يا لا هذه المفاجأة لقد كنا نظن أنكم جميعاً قد هلكتم وان البحر انشق وأبتلعكم ، فقال الأعور : ماذا تفعل هنا وما الذي جاء بك إلى هنا ولما كل هؤلاء القوم معك ؟؟؟!! ، فقال الرجل : سأجيبكم عن كل شئ لكن أولا أرجو منك مساعدتي في إنزال هؤلاء الأشخاص من على متن السفينة فكما ترى هم جميعاً مصابين بالعمى ويجب علينا مساعدتهم وبعد أن تم إنزال جميع الركاب من على متن السفينة سأله الأعور ما الأمر وما سبب مجيئك إلى هنا؟؟!! فأجابه : لقد انتشر الوباء في قريتنا وأصيب العديد بالعمى وقد قررنا أن نعزل المصابين بالوباء بمكان ما لا يقطنه أحد حتى نحد من انتشار العدوى فجمعناهم جميعهم في هذه السفينة وقد قيل لنا أن هناك جزيرة لا يقطنها أحد لنعزل بها جميع المصابين وقد اختاروني أنا لكي أقود بهم السفينة لأني عندي مناعة ضد العدوى لأن العدوى لم تطلني فقروا أن أقود بهم وبعد أن بحثت طويلاً عن هذه الجزيرة دلني عليها أحد البحارة إلى مكانها أنا سعيد جداً لرؤيتك أن الله سخرك لتكون في عون هؤلاء المساكين فأنت الآن عينهم التي يرون بها، بعدها هما قائد السفينة بالرحيل. أصبح في الجزيرة العديد من الناس وشعر الأعور بالأنس بعد الوحدة التي كان يعانيها فصار يسمع صوت رجال ونساء وأطفال وقد خصص لكل واحد منهم عمل حتى لا يشعروا بالملل ويستغلوا وقتهم بشئ مفيد فشرعوا في البداية ببناء أكواخ صغيره لهم تقيهم الحر والبرد وبعد ذلك ، خصص مجموعة تحفر الأماكن التي لم ينبت بها زرع ومجموعه أخرى تضع من خلفهم البذور التي جمعها هو فيما سبق وفي خلال شهور قليله ازدهرت الجزيرة وأنبتت الأشجار وكبرت وأصبحت محمله بالثمار فعمل على جمعها ووضعها في كوخ خصوصه للمحاصيل في هذا الوقت كان الأعور يخطط أن يستثمر هذه الثمار ويقوم بالاتجار بها وذهب وترك العميان بعد أن تأكد أن لا خوف عليهم فقد دربهم على كيفية الاعتماد على أنفسهم وانطلق في البحر ومر على بعض المدن الساحلية وعرض على أهالي المدن هناك بضاعته فتهافتت عليه الناس وأعجبوا بشتى أنواع الثمار من الفواكه والخضار فقد كان لها مذاق رائع يفوق الوصف فأعجب الناس والتجار بهذه البضاعة واقبلوا عليه واشتروا كل ما لديه من بضاعة وأصبح لديه العديد من النقود، ثم رجع إلى الجزيرة بعد أن تعاقد مع أحد التجار على أن يجلب له المزيد من هذه البضاعة وأعطاه درهم ذهبي ووعده بالمزيد أن جلب معه المزيد من هذه الثمار الطيبة التي نالت على استحسان الجميع. وبعد أن رجع الأعور إلى الجزيرة استقبله الأهالي بفرحة وفي الأسبوع الثاني جمع المزيد من المحاصيل التي كانت تملأ الكوخ ومر على المدن القريبة وتعاقد مع المزيد من التجار أن يورد لهم من جزيرته محاصيل زراعيه وكل تاجر يعطيه بعض النقود الذهبية ، وأصبح لديه الكثير من المال ورجع إلى الجزيرة واستقبله الجميع بفرحة كبيره فالأعور بالنسبة إليهم الآن هو عينهم التي يرون بها ، وقام بتقسيم الأرباح بينهم بالعدل. وفي يوم من الأيام قرر وهو في رحلته التجارية الذهاب إلى قريته بعد أن حن واشتاق إليها فاتجه إليها وصل إليها وكان الوقت قرب أذان الفجر وجد أن القرية يعمها الصمت وكان أول من التقى به هو العم مبروك كان يتحسس بعصاه الأرض ذاهباً إلى المسجد فتوجه إليه مسرعاً وقال له : عم مبروك كيف حالك ؟ فقال العم مبروك : عبد المعطي مرحباً يا بني ومد يده له فأمسكه عبد المعطي واحتضنه بشوق وحفاوة ، فقال العم مبروك : أين كنت طيلة هذه الفترة يا ولدي ولما رحلت عنا؟؟، فقال عبد المعطي : لقد قررت الرحيل بعد أن ضقت ذرعاً بأهالي هذه القرية الذين دائما
    ً كانوا يعيروني بعيني وينعتوني
    بالأعور وقد جاءت عاصفة وأخذتني الأمواج إلى جزيرة وقد مكثت بها عدة شهور وحيداً حتى جاء من يؤنس وحدتي ، فقال العم مبروك تقصد ركاب السفينة المصابين بالعمى ؟؟، فقال الأعور : نعم ، فتنهد العم مبروك ، فقال له عبد المعطي : ماذا هناك يا عم مبروك؟ فقال العم مبروك بأسى: لقد كنا نظن أننا بعزلنا هؤلاء المصابين سيزول البلاء ويكون الجميع في مأمن لكن ....، لكن ماذا يا عم مبروك ؟؟؟؟ فقال : لقد انتشر الوباء في القرية وأصيب الجميع بالعمى إلا من رحم ربي ممن هم بهم عيب وأصبح الكل مصاب بالعمى هذا غير أن الوباء انتشر بالقرية المجاورة لنا فاجتمعوا شيوخ واعيان وحكام القرى والمدن المجاورة وقرروا أن يحرقوا القريتين حتى يتخلصوا من الوباء ، وقد أخبرني بهذا القرار مبعوث من عندهم أرسلوه وقد كان عنده حصانة من المرض لإصابة عينه بجرح يشوهها، وقد اخبرني بقرارهم هذا وأنهم الآن يجهزون مناجل عديدة ليقذفون من خلالها كرات النار من وسط البحر فتحترق القرية ، وبعد أن علم الجميع بهذا الخبر لازم الجميع منازلهم والحزن يعتريهم ، فقال عبد المعطي: ماذا تقول يا عم مبروك ؟؟؟ ماذا أسمع أيعقل أن يحرقوا القرية بأهلها أي وحشية هذي أنهم بشر كيف تسول لهم أنفسهم قتل كل هذه الأرواح؟ فقال العم مبروك : يا بني المضطر يركب الصعب ولو أن مريض ما أصيب بداء لعين في أحدى أصابعه فإن الحل الوحيد هو بتر هذه الأصبع حتى لا ينتشر باقي المرض في باقي الجسد ونحن مؤمنين بقضاء الله وقدره ، فقال عبد المعطي: ماذا تقول يا عم مبروك لكن ما سيفعلونه حرام لقد نهى الله عن قتل النفس إلا بالحق ، ما ذنب كل هؤلاء إنه ابتلاء من الله ، فقال العم مبروك : لكن يا بني إن لم نسيطر على المرض سينتشر المرض في كل شعوب العالم ويصبح الكل أعمى البصيرة ، حزن الأعور كثيراً لما حل بأهل قريته ، شعر العم مبروك بحزنه فقال : لا تحزن يا بني هذه مشيئة الله قدر الله وما شاء فعل اللهم لا اعتراض على حكمك . بعدها خطرت في باله فكره وهي أن يأخذ كل أهالي قريته معه في السفن إلى حيث الجزيرة ، ثم ذهب إلى أبيه وزوجته وأخوته ووصل عند المنزل ومن ثم طرق الباب فأجابه والده: من الطارق فارتبك عبد المعطي فقال أنا ، فقال من أنت ؟؟ فقال أنا..أنا ..أنا ، ثم فتح أباه الباب فقال من؟ فوجد أباه فاقد البصر ، فقال أبي ، فقال أباه : من عبد المعطي ؟؟ فارتم عبد المعطي في أحضانه وأجهش بالبكاء وأجهش والده أيضا بالبكاء فقال أباه : سامحني يا ولدي سامحني إن ما حل بي وبزوجتي وبأهل القرية جميعاً إنما هو عقاب الله لنا على ازدراءنا لك وتعيرك بما ابتلاك الله ،فقال عبد المعطي : لا تحزن يا أبي إنها شدة وستزول اجعل إيمانك بالله قوي ، فقال الأب : ونعم بالله يا ولدي ، تعال يا بني ادخل البيت فإن أخوتك في شوق كبير لك ، دخل عبد المعطي و كان المنزل كله ظلام فذهب إلى حيث يوجد القنديل في زاوية المنزل فتحسس المكان حتى وصل إليه وعندما وصل إليه أشعله ومن ثم قال في نفسه بعد أن رأى النور الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به : الحمد لله الذي أنعم علي بنعمة البصر سامحيني يا إلهي لقد تذمرت يوماً ما لأني بعين واحده لم اعلم أنك منحتني هديه لا تقدر بثمن وهي نعمة البصر حتى وإن كانت بعين واحدة،(( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم )) في هذه اللحظة شعر عبد المعطي بيد تمسك ثيابه وعندما نظر وجد أخته الصغيرة ذات الثمانية أعوام تتحسس ساقه وتسأله هل إن كان هو عبد المعطي فانحنى إليها عبد المعطي بلهفة وقال : زهره كيف حالك يا صغيرتي ؟؟، ثم قالت زهره: أنت عبد المعطي أخي أليس كذلك ؟؟ ، فقال : نعم يا حبيبتي أنا هو ، فقالت : عبد المعطي أنا لا أستطيع أن أراك قرب لي خدك حتى أقبلك كما كنت بالماضي أقبلك فقرب عبد المعطي خده وقامت زهره بتقبيله قبله صغيره على خده ثم قبلها في خدها وأخذها في حضنه ثم ألتفت ليجد أن باقي أخوته الخمسة يبحثون عنه فاتجه نحوهم وهو يحمل زهره وجعلهم جميعاً حوله وكانت أيضا زوجة أبيه تتحس المكان تحاول أن تصل إلى حيث يقف عبد المعطي فأسرع عبد المعطي إليها وأمسك يدها ثم قبل يدها شعرت الزوجة بتأنيب الضمير وهو يقبل يديها ومسحت بيدها على رأسه ومن ثم أمسكت رأسه وتحسست وجه ومن ثم قبلت جبينه وقالت : سامحني يا عبد المعطي فقبل عبد المعطي يدها وقال أنا لا أحمل لكم في قلبي ذرة كره أنتي أمي الثانية وهذا أبي وهؤلاء أخوتي والدم لا يصبح ماء مهما حصل ، فقال أبوه :أرأيت ما حل بنا يا ولدي هذا عقاب الله ، ((وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب)) . هذا هو الجزاء فالجزاء من صنف العمل عيرناك بعينك اليتيمة فأخذ الله منا بصيرتنا وكل من بالقرية يقولون يا ليت كنا مثل عبد المعطي بعين واحده لكنا الآن نستمتع بنعمة البصر ، كان عبد المعطي ينصت إليه ويشعر أنه محظوظ جدا ، ثم دمعت عين الأب وقال بني يجب أن تغادر لأنهم سيحرقون القرية بما فيها صباحاً عندما تكون الشمس وسط السماء ، ثم بكى وبكى الجميع وبكى عبد المعطي وقال لا لن أدع هذا يحصل أبدأ سأأخذكم إلى جزيرتي هناك ستكونون بمأمن وبمعزل عن القرى الأخرى، ثم نهض عبد المعطي وقال : انتظرني يا أبي سأعود ، ثم ذهب إلى أولئك الرجال الذين لم يصبهم الوباء واجتمع بهم والتف الناس من حوله وكانوا جداً فرحين بقدومه وكان الجميع ينادي عبد المعطي.. عبد المعطي ..عبدالمعطي ، ثم قال عبد المعطي : أهالي قريتي الكرام أرجوكم اسمعوني فليس لدينا متسع من الوقت ،فصمت الجميع وأنصتوا إليه ، فقال : أهالي قريتي لقد خرجت يوماً ما من هذه القرية وقد عزمت أن لا أعود إليها لما لاقيته منكم من سوء معاملة ، لكن محبتي إلى هذه الأرض هو من آتى بي وعلمت ما أصابكم من بلاء ولست هنا من أجل أن أشمت بكم فإن الشماتة من طبع اللئيم وقد أحزنني كثيراً مصابكم فأنتم مهما حصل أهلي وناسي وأن الله عفو يحب العفو، ثم قال : إن القوم اجمعوا على أن يحرقوا القرية وانتم فيها حتى يطهروا هذه القرية من الوباء وأنا لن أسمح أن يحصل هذا لن أدعكم تحترقوا في هذه القرية أهالي قريتي الأعزاء لم يتبقى على الصباح إلا ساعات قليله أتمنى من الجميع أن يركب هذه السفن لنطلق قبل أن تشرق شمس الصباح حيث سأأخذكم إلى جزيرتي هناك بحيث تكونوا في مأمن فسعد الجميع بهذا الخبر وركب الجميع السفن وانطلق الموكب في مقدمته سفينة عبد المعطي ومن ثم مروا على القرية المجاورة التي شملها الوباء وحملت السفن بالناس وانطلقوا إلى الجزيرة وأصبحت الجزيرة مليئة بالناس بعد أن كانت مهجورة وأصبح الجميع ضيوف لدى عبد المعطي والكل كان ممتن لصنيعه معهم .وتمضي الأيام وازدهرت الجزيرة بتجارة المحاصيل الزراعية التي كان عليها إقبال كبير من التجار لما فيها من فوائد عظيمة فقد كانت تشفي العديد من الأمراض وقد ذاع صيت هذه الجزيرة لكن لا أحد كان يستطيع أن يقربها خوفاً من أن يصاب بالوباء فقد كان الأعور هو من يذهب يروج عن بضاعة الجزيرة ومعه الرجال المحصنين من المرض وقد عينهم وزراء له على جزيرة بلاد العميان وقد أطلق على عبد المعطي لقب "مالك الجزيرة " وأصبح الكثير ينادوه "بالملك" فقد اعتبروه هو ملك هذه الجزيرة وهم الرعية . وبيوم من الأيام رأى عبد المعطي في منامه أنه يقف على قبر أمه ومن ثم احتضنه وقال : أمي الحبيبة لقد اشتقت إليك كثيرا وفجأة وبينما هو كذلك أقبلت عليه روح أمه ترتدي الثياب البيضاء فنهض عبد المعطي سريعاً فرحاً بلقاء أمه وقال : أمي، وركض إليها واحتضنها واحتضنته وقال : اشتقت إليك يا أمي فقالت وأنا : أيضا اشتقت إليك يا بني ثم قال : انظري إلي يا أمي لقد أصبحت ملك يحكم شعباً ، فقالت له : ألم أقل لك يا بني لا تتذمر من قضاء الله وقدره فإن لله حكمه في أخذ عينك لا يعلمها إلا هو عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم ، فقال : الحمد لله ثم صمت قليلاً ومن ثم قال : لكني يا أمي أنا حزين جدا لأن أبي وأخوتي وكل من بالقرية فقدوا بصرهم وهم على هذه الحال منذ ثلاث سنين ، فقالت الأم : يا لا طيبة قلبك يا بني على كل ما قدموه لك من إساءة إلا أن انك عند شدتهم لم تتخلى عنهم كم أنا فخوره بك يا بني، اسمعني : يا بني ستجد في آخر الجزيرة شجرة وحيده أعمل على إزالة الطبقة الأولى من جذعها وسيخرج سائل ابيض منها وعندما يجف هذا السائل سيصبح شكله كالبلورات قم بجمعه وأجمع أكبر عدد منه واحرقه وبدخانه قم بنفسك بتبخير كل بيت في الجزيرة وافعل ذلك لمدة أسبوع وبعد انقضاء أسبوع بعد صلاة الجمعة سيعود للجميع بصرهم بإذن الله ثم قالت : سأذهب الآن يا ولدي وأوصيك بذكر الله ثم اختفت ، نادى الأعور أمي أمي أمي حتى استيقظ من النوم فشرع في الصباح بالبحث عن تلك الشجرة حتى عثر عليها وقام لمدة أسبوع بتبخير كل كوخ في الجزيرة ففي الثلاثة الأيام الأولى شفي كل الأطفال وعاد إليهم بصرهم في الثلاثة الثانية الأخرى شفي جميع الأهالي وفي اليوم السابع كانت المفاجأة أن العم مبروك الذي ولد كفيفا أيضا استعاد بصره وعمت السعادة الجميع وكان الكل ممتن للأعور .وتمضي الأيام وشأن الجزيرة يعلي ويزدهر ويصبحالملك عبد المعطي ذات صيت عالي بين جميع الملوك وكلما ذهب إليهم أغرقوه بهدايا وعطايا وصناديق مجوهرات بالأحرى أولئك الملوك الذين طابت أمراضهم من جراء تناولهم محاصيل الجزيرة العجيبة التي كان بها الشفاء العجيب حتى أن إحدى الملوك قام بتزويج إحدى بناته إلى الملك عبد المعطيووهبه نصف ملكه وذلك بعد أن شفيت ابنته من مرض خطير بعد أن تناولت ثمار هذه الجزيرة و قد أصبح الملك عبد المعطي فيما بعد أغنى الملوك.
    قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ). ،،،
    صدق الله العظيم

    sigpic
يعمل...
X