شكل الخطاب التاريخي السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ في يوم السبت الحادي عشر من يناير لعام 2020، بمناسبة تنصيبه سلطانا لعمان خلفا للمغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ خطابا جامعا شاملا متناغما مع معطيات المرحلة القادمة في بناء الدولة العمانية، تجديدا للعهد وترسيخا للثقة، واستمرارا للنهج الحكيم لسلطان عمان الراحل الذي رسم معالم الدولة العمانية وحدد مبادئها وأرسى دعائمها وأعلى بنيانها؛ فما حمله لمستقبل عمان من دلالات ومعانٍ، أكبر من اختصاره في كلمات أو سبره أعماقه في مقالات، ولعل مكمن السر في ذلك يرجع إلى طبيعة المرحلة القادمة وما تحمله من طموحات وآمال العمانيين وإرادتهم لتنسج خيوط التناغم والتكامل مع الإرث الحضاري العظيم والفكر النهضوي الماجد والنهج الذي بناه سلطان عمان الراحل فأنتج أمة عمانية عظيمة ودولة عصرية حديثة امتلكت كل مقومات التقدم والتطور، ولها حضورها الفاعل ومساهماتها المشهودة على الصعيد الإقليمي والعربي والعالمي حتى نالت تقدير العالم لها واعتزازه بما قدمه سلطان عمان الراحل للإنسانية من أنموذج حضاري عملي في البناء والتطوير والسلام والتنمية والتعايش والتسامح والوئام والمؤتلف الإنساني، لذلك فهو خطاب يتناغم مع ما تحمله المرحلة من متغيرات، متجاوب مع رؤية التجديد والتطوير والبناء التي أسسها سلطان عمان الراحل ليضيف إليها مزيدا من التطوير في المجالات الاقتصادية والحياة المعيشية للمواطن، متفاعلا مع طموحات الإنسان العماني وهو يرى بلده في الموقع الذي رسمه لها جلالة السلطان الراحل، ومتآلفة مع الأنظار العالمية والدولية للأصدقاء والأشقاء لعمان في أن تظل عمان في موقع الصدارة في ممارسة دورها الحضاري المعزز للسلام والوئام وتقريب وجهات النظر وتقديم كل مدد وعون معنوي لنشر السلام والأمن الدوليين، وهو خطاب مؤثر في محتواه، إذ حاول احتواء ما يعيشه المواطن العماني من ألم الفقد وهول الفراق برحيل سيد عمان وباني نهضتها، فيؤكد في نهج قيادته الجديدة لعمان، مددا لسيرة السلطان الراحل واعتزازه بها، ليظل مآثر السلطان قابوس بن سعيد مددا للأجيال القادمة في الاستفادة من الإرث الحضاري والرصيد الثري الذي صنعه رجل عمان العظيم لوطنه العظيم وإنسانه الوفي، ومساحة لإعادة إنتاج الأمل والإرادة التي جاء بها قابوس في يوم توليه مقاليد الحكم في البلاد ما دامت السموات والأرض عطاء غير منقوص، فأزال عن أبناء هذا الوطن الغالي هموم الفراق وأحزان الفقد، ليجسد قابوس وسيرته العطرة في عمان المستقبل.
من هنا جاء الخطاب السامي نقطة تحول في مسيرة العمل القادم، فأثلج الصدور وأراح الأنفس وأسعد أبناء عمان، ووضع النقاط على الحروف، وحدد مسار التوجه، وأوضح خطوات العمل ورؤية الإنجاز، وعزز من ثقة المواطن في قيادته الجديدة، ورسخ معايير النجاح، ورسم خطوط العمل القادمة والتوقعات بشأنها، لتسير خطى التجديد على بينة من الأمر، ووضوح من الفهم، وقوة من الدليل، وكفاءة في خطط العمل، إذ كل شيء يمضي إلى مساره ويسعى إلى استقراره، وهو ما أعطى أبناء هذا الوطن الغالي ثقة أكبر في قيادتهم الحكيمة وتضامنا وتعاونا يصنع لعمان التقدم، كما بدد الهواجس وأزال القلق، وأماط اللثام عن بعض المخاوف حول المسار القادم لعمان سواء من الداخل أو الخارج، وأزاح الستار عن بعض الغموض حول مدى استمرارية نهج السلطنة إقليميا وعربيا وعالميا، خصوصا في ظل بعض الملفات التي أثبتت حضورا عمان المتفرد في معالجتها والتعاطي الواعي معها بما حفظ حقوق الشعوب وصون سيادتها واستقلالها مع الأشقاء والأصدقاء ومحبي السلام في العالم، لتعود بنا الذاكرة إلى بعضها مثل: الملف النووي الإيراني والعلاقة بجمهورية إيران الإسلامية الصديقة، وحصار قطر، وحرب اليمن، والقضية العربية الفلسطينية وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية التي كان لعمان دور محوري في توفير أجواء أفضل للحوار والسلام وتقريب وجهات النظر ومعالجة التصعيد الحاصل بالطرق السلمية، أو في توفير بدائل ومدخلات مبتكرة للحد مع تأثيرها على الإنسان أمنه وصحته، عبر عضويتها في المنصات والاتفاقيات الدولية المعنية بالبيئة والمناخ والصحة والتعليم، لذلك نعتقد بأن هذا الخطاب التاريخي مرحلة استباقية لتأكيد الثوابت العمانية الداخلية والخارجية من جهة ورسم معالم التطوير القادمة والاعتزاز بقوات السلطان المسلحة والأجهزة الأمنية والعسكرية التي أثبتت على مدى خمسة عقود كفاءتها وجاهزيتها وولائها للقائد الأعلى للقوات المسلحة ولعمان: الأرض والدولة والإنسان، فإنه أيضا خطاب أباد كل محاولات التشكيك في قدرة العمانيين على إثبات كفاءة وأصالة ومنهجية المسار الذي رسمه السلطان قابوس، وقدرتهم على التعاطي الواعي مع هذا الحدث الجلل والمصاب بعد وفاته، وبالتالي الوقوف في وجه ما ينشر من تكهنات أو إشاعات أو أفكار أو توجهات أخرى وشكوك في مدى استمرارية هذا الدور المعروف لعمان وقدرتها على الاستمرار في انتهاج سياسة الحيادية الإيجابية الواقعية التي نأت بعمان عن الحروب والعداوات وحافظت على مستوى علاقات وطيدة مع الكل، فحسم الخطاب الأمر، وأوضح التوجه، وأفصح عن خطوات العمل القادمة، وعرّج على الملف الداخلي لضمان توفير سبل الحياة الكريمة له عبر زيادة معدلات الدخول والتثمير في الموارد والتنويع الاقتصادي، فوأد الفتنة، وأذاب الأفكار السوداوية، وألغى التفسيرات المسيّسة والأفكار محدودة النظر، أو الدعوات المغرضة وعبر الذباب الإلكتروني الذي ظل في محاولاته البائسة ترويج مثل هذه الأفكار التي تستهدف النيل من هيبة الدولة وتسيء لسلطانها، وتنال من وحدة تراب الوطن وتاريخه الماجد أو تشوه صورته وسمعته، لذلك استبق الخطاب كل التكهنات وقضى على كل محاولات العبث الفكري، والانفعالات الصحفية والإعلامية والتصريحات العشوائية التي تتناقلها وسائل الإعلام المغرضة ومنصات التواصل الاجتماعي كمائدة لإثارة الخلاف وتوجيه الأنظار إلى أجندتهم الخفية.
إن رؤية عمان المستقبل استمرار للأمل والإرادة التي بدأت بها وانطلقت منها وسارت عليها طيلة خمسة عقود بقيادة سلطان عمان الراحل توجت بمراحل متقدمة من البناء والتطوير والتحديث والتقدم في مختلف مجالات الحياة، وارتبطت بمساحات أعمق من النضج الفكري والأخلاقي والإنساني الذي انعكس على مجريات العمل الوطني وكفاءة السياسة الداخلية والخارجية لعمان، وأدركت ما يحمله الإنسان العماني من حب لجلالة السلطان وأن ترجمة ذلك إنما يكون بالسير على نهجه، ليصبح الأمل والإرادة والتضحية والإخلاص مدخلات لبناء دولة راسخة الأركان قوية البنيان حفظت لها منظومة التشريعات والقوانين قوتها وضمنت لها استمراريتها في المساهمة بدور محوري أكبر في إدارة أحداث العالم والتعاطي مع مستجداته، لذلك أطر الخطاب التاريخي لجلالة السلطان هيثم بن طارق هذا المسار وعظّم من قيمة هذا التوجه واختصر معطيات الواقع واستراتيجياته وفراسة المستقبل واستشراف أبعاده، وقد ورد في النطق السامي “إن تخليد إنجازات السلطان الراحل ومناقبه إنما بالسير على نهجه القويم والتأسّي بخطاه النيرة التي خطاها بثبات وعزم إلى المستقبل والحفاظ على ما أنجزه والبناء عليه، هذا ما نحن عازمون بإذن الله وتوفيقه على السير فيه والبناء عليه لترقى عمان إلى المكانة المرموقة التي أرادها لها وسهر على تحقيقها فكتب الله له النجاح والتوفيق”، كما أكد على الثوابت العمانية التي انتهجتها عمان لإحلال السلام والأمن والتعايش منطلقة من نهج السياسة العمانية المتوازنة، وقد ورد في الخطاب السامي: ” وعلى الصعيد الخارجي فإننا سوف نترسم خطى السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واحترام سيادة الدول وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات، كما سنبقى كما عهدنا العالم داعين ومساهمين في حل الخلافات بالطرق السلمية باذلين الجهد في إيجاد حلول مرضية لها بروح من الوفاق والتفاهم وسنواصل مع أشقائنا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق آمال شعوبنا ولدفع منجزات دول مجلس التعاون قدما إلى الأمام”، وفي الشأن العربي سوف نستمر في دعم جامعة الدول العربية وسنتعاون مع أشقائنا زعماء الدول العربية على تحقيق أهداف جامعة الدول العربية والرقي بحياة مواطنينا والنأي بهذه المنطقة عن الصراعات والخلافات، والعمل على تحقيق تكامل اقتصادي يخدم تطلعات الشعوب العربية، وستواصل عمان دورها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة تحترم وجهاتها، وتعمل مع الدول الأعضاء على تحقيق السلم والأمن الدوليين ونشر الرخاء الاقتصادي في جميع دول العالم، وسنبني علاقتنا مع جميع دول العالم على تراث عظيم خلفه لنا السلطان الراحل أساسه الالتزام بعلاقات الصداقة والتعاون مع الجميع واحترام المواثيق والقوانين والاتفاقيات التي أمضيناها مع مختلف دول العالم”.
وعليه، فإن هذه القراءة الواسعة للخطاب لمجريات الأحداث في المحيط الإقليمي والعربي والعالمي أسست لنهج التوازن والعالمية في السياسة العمانية، فالانفتاح العماني المدروس للعالم الخارجي وما تبعه من شراكات وتعاون دولي متعدد الاهتمامات، بحاجة إلى قوة في الداخل وعزيمة في الذات التي أكد جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ على أهمية الاستمرار في جهود التنمية والتطوير وتعزيز فرص التنويع الاقتصادي وبناء الإنسان العماني وتطوير الموارد البشرية، وتوفير كل السبل التي تعزز من العيش الكريم للمواطن وتسهم في تحقيق حياة كريمة للمواطنين، وهو أمر يرتبط بالثقة في الإنسان العماني ذاته، رهان التنمية الوطنية القائم على حدودها والمحافظ على ثرواتها، فإن تعاونه مع قيادته الحكيمة وايمانه بالعمل من أجل عمان وإخلاصه وحرصه المستمر على أداء مسؤولياته، الطريق لبناء مجتمع القوة، وإنتاج روح الألفة والوحدة، وقد جاء في النطق السامي لجلالة السلطان “… أن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمه، والمسؤوليات جسيمة، وينبغي لنا جميعا أن نعمل من أجل هذا البلد ورفعه شأنه للارتقاء به نحو حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساندتكم وتعاونكم وتضافر جهودكم جميعا للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى، وأن تقدموا كل ما يسهم في إثراء جهود التطور والتقدم والنماء”؛ لقد وجدت عمان بأن ترسيخ هذه القناعة وتأصيلها في حياة الإنسان العماني بحاجة إلى الممكنات التعليمية والتدريبية وفتح الفرص للمواطنين للمشاركة الفاعلة في بناء دولتهم عبر تعميق حضورهم وإسهاماتهم في مجريات العمل ومحطات الإنتاج، وهو أمر يرتبط بقدرة المواطن على امتلاك أساليب التقدم وأدواته بالعلم والثقافة وسمو المنهج وحسن الخلق وتأصيل مفهوم التميز والمنافسة، غير أن التأكيد على مسارات الجاهزية الوطنية يستدعي بالإضافة إلى ما سبق بناء مجتمع الأمن والاستقرار وتعزيز دور قوات السلطان المسلحة والأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى لتحقيق أهدافها في حماية منجزات الوطن ورعاية مواطنيه والحفاظ على مكتسبات التنمية، وقد جاء في النطق السامي لجلالة السلطان ما نصه: “ولولا ثبات ورسوخ الأمن وانتشار الأمان في ربوع بلادنا الذي ما كان ليتحقق إلا بوجود قوات مسلحة جاهزة وعصرية ومعدة إعدادا كاملا بكل فروعها وقطاعاتها، وأجهزة أمنية أمّنت استقرار البلاد واحترام المواطنين ونحن نقدر دورها العظيم لضمان منجزاتنا ومكتسبات البلاد ونؤكد على دعمنا لها واعتزازنا بدورها”.
وعليه، فإن المتتبع لموجهات هذا الخطاب يدرك حجم التحول الذي صنعه جلالة السلطان الراحل لبناء عمان: النهضة والدولة والإنسان، بما لا يدع أي مجال للشك في أن عمان في ظل الثوابت التي التزمتها والموجهات التي اعتمدت عليها والمركزات التي أصلتها والمبادئ التي رسختها في مسار البناء الهيكلية والتشريعي للدولة؛ قادرة بإذن الله على ضمان بقاء النهج الحكيم لجلالة السلطان الراحل في التعاطي الواعي مع كل المعطيات العالمية، وتبقى خيوط الاتصال والتواصل مع العالم في قوتها ومرونتها وكفاءتها مرتبطة بالقدرة على احتواء المعطيات والتعامل مع التحديات وإدارة الأزمات، والتفاعل مع المستجدات، وضمان مسار إنتاج القوة التي حققتها عمان، والرصيد التراكمي من التجارب والخبرات والإنجازات والممكنات التي تفردت بها في عالم متغير، فحافظت على معادلة التوازن قائمة، استطاعت من خلالها أن تتعايش مع التحولات الاقتصادية والسياسية والكونية المختلفة، وضمنت المحافظة على سقف أعلى من العلاقات والتعاون الدولي والشراكة مع الجميع، وهو ما جنّب عمان الفتن وأبعدها عن شبح الحروب، وعزز من الأمن والسلام والتعايش، فأصبحت بما اختطته من مبادئ أصيلة وممارسة عملية أنموذجا حضاريا لترسيخ قيم الإنسانية وأخلاقها ومبادئها في عالم متغير، كما ظلت بيت خبرة عالميا في إنتاج بدائل الحلول ومعالجة نقاط الخلاف وتقريب وجهات النظر، ومحور التقاء للمتناقضات والتباينات في الساحة السياسية الدولية، ليصبح البيت العماني احتواء للجميع، يعيش فيه الكل ويجد فيه الضدان بغيتهما لتحقيق السلام وبناء فرص التعايش، في ظل سياسة متزنة متفردة، ودروس عملية لقيادات العالم في ثبات السياسة العمانية ومصداقيتها ووضوحها، ودبلوماسية محنكة مؤثرة قادرة على التعاطي الواعي مع كل المتغيرات الحاصلة في العالم، وسياسة هادئة لا تعرف في قاموسها أي مدخل للصخب والضجيج والاندفاع، بل مصداقية في التعاطي مع الاختلالات الحاصلة في العالم، لذلك ليس هناك من خوف أو قلق بشأن سياسة عمان الخارجية وتعاطيها مع الملفات التي تعاملت معها بكل مصداقية ومهنية.
لذلك كان لخطاب المرحلة التاريخي صداه الإيجابي التي ظهرت في تناول المحللين السياسيين والاقتصاديين والاستراتيجيين بالخليج والعالم أجمع والإشادة به والبناء عليه كمنطلق لاستمرار نهج الحكمة للسلطان قابوس، وهو الطريق الذي يضمن لوطننا عمان المزيد من الإنجازات والبناء عليها وتثمير الفرص لاقتصاد الأمن والسلام والتسامح، بما يعزز من توليد البدائل والحلول في عالم يعيش الانكسارات وتذوق شعوبه ويلات التهور والاندفاع وغوغائية السياسة، لتظل عمان الأنموذج الحضاري الذي حافظ على توازنه ورسم استحقاقات تماسكه في واقع مضطرب، لقد أصلت هذه الرؤية السامية التي انطلق منها خطاب جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ ثقة الإنسان العماني في قدرة عمان على مواصلة المسيرة وإدارة الواقع العالمي بكل أريحية ومهنية، فكان احتواء الخطاب السامي لجلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ على ثوابت السياسة العمانية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والاستمرار في القيام بدور محوري في الساحة الدولية على مختلف الأصعدة الإقليمية ممثلة في مجلس التعاون الخليجي والعربي في جامعة الدول العربية والعالمي في منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، أعطى دلائل واضحة على استمرار فاعلية الدور العماني ومساهمته في نشر السلام وترسيخ الوئام الإنساني.
لقد جاءت نهضة عمان بقيادة سلطانها الراحل، بكل هذه المعطيات ووضعتها أمام مراجعة مستمرة وتقييم حصيف في كل المراحل وقف عليه جلالة السلطان الراحل بنفسه وها هي منجزات عمان اليوم واضحة للعيان يعرفها الجميع، فهي لا تحتاج إلى تبيان، وأقوى من أي برهان، منجزات في صورة معجزات أبهرت العالم، حتى أصبحت لإنسان هذا الوطن مددا يتجلى في عزيمته التواقة للعطاء والولاء والانتماء لعمان، فالمسؤولية عظيمه، والمهمة صعبة وشاقة وهي تتطلب مزيدا من التلاحم والتعاون والتكاتف وتعزيز فرص المنافسة وصناعة القدوات كاستحقاقات تعزز من مسار التسابق نحو عمان، ويبقى على الإنسان العماني تجديد العهد تحت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ أيده الله ـ معاهدين الله جلت قدرته على مبايعته على العسر واليسر والمنشط والمكره، ومع كل ما أشار إليه الخطاب السامي من محطات يبقى التقييم والمراجعة والتطوير هاجس سلطان عمان، فهو المشرف على رؤية عمان 2040، وهو يحمل في سبيل بنائها واستدامة تحقيق فرص نجاحها الكثير من الآمال والأحلام، كما يحمل العزيمة والإرادة التي تبدأ بوعي المواطن وإدراكه لمتطلبات المرحلة ووقوفه مع قيادته الحكيمة ومساندته لها، وقدرته على صناعة الفارق بإخلاصه وانجازاته ومبادراته وعطائه وولائه وانتمائه وحبه لعمان وتعظيم جهود التنمية، فالحمل ثقيل والمسؤولية عظيمة، والطموحات والآمال كبيرة وهاجس التطوير يزداد يوما بعد يوم، وإذا كانت أركان الدولة واضحة المعالم، وقواعد العمل محددة البنيان صلبة ثابتة الأركان، سامقة سموق جبال عمان وشموخ نخلتها الشماء، فإنها عميقة أيضا كعمق أوديتها، وهي بحاجة إلى المزيد من البحث فيها وسبر أعماقها واستكشاف فرص نجاحاتها والتعمق في توظيف مقوماتها وإنهاض العزيمة والإرادة وتعزيز هرمون الحافز والإيجابية، بما يعني أن التجديد مسار فطري في الحياة ونهج صحيح في بناء الحضارات والدول ومدخل لصناعة القوة؛ لذلك تبقى هناك العديد من المنصات الداخلية وأجندة العمل المنتظرة التي تتطلع إلى معالجات مبتكرة تتناغم مع عمان المستقبل ورؤية عمان 2040، فعملية تطوير الجهاز الإداري للدولة وتقسيماته وإعادة تقنين مساراته وضبطه لمزيد من الإنتاجية والمسؤولية، وترسيخ قيم المساءلة وثقافة الضبط والربط والحوافز والعقوبات، ومراقبة منظومة العمل المؤسسي، ومعالجة قضايا الفساد الإداري والمالي واجتثاثها، وواقع القطاع الخاص وأدواره القادمة وموقع الشباب العماني فيه، والباحثين عن عمل والمسرحين من الشركات، وقضايا الثروة المعدنية والضرائب، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز التوجهات الاقتصادية الداعمة للمحافظة على سقف الإنتاجية مرتفعا ومستوى دخل المواطن عاليا، وتجويد الخدمة العامة، التعليمية والصحية والإسكانية وغيرها، مسارات للعمل بشكل أكثر فاعلية واستدامة من أجل عمان، لتشكل بدورها مدخلا للتطوير وأجندة استراتيجية متجددة لبناء الدولة العمانية القادمة محافظة على الثوابت، مؤصلة للمبادئ، مجددة في أدوات العمل وأساليب المعالجة متخذة خطوات وقرارات أكثر استراتيجية وجرأة في حسم بعض القضايا الاجتهادية لضمان كفاءة الإنجاز وفاعلية الأداء.
وأخيرا، فإن نهضة عمان وهي تدخل مرحلة متجددة في فصولها وتفتح صفحة جديدة في عمر تاريخها امتدادا لنهج السلطان الراحل، إنما تصنعها قيم الإنسان العماني وأخلاقياته وسيرته العطرة في الناس وقدوته وقوة ما يحمله من مهارات للعطاء بلا توقف والإنجاز بلا حدود، حاملا للعالمين رسالة السلام والأمان، ممارسة أصيلة، ومنهجا يصنع منه استحقاقات تعبر عن الخصوصية العمانية، والهوية الحضارية لعمان التي ارتبطت بالأرض والثقافة والفكر وعلماء عمان وأئمتها وسلاطينها وأساطيلها البحرية والفنون العمانية والتراث المادي وغير المادي والقلاع والحصون وغيرها كثير لتعبر جميعها عن عراقة هذا البلد وأصالة السلام والحوار وروح الانسجام التي يحملها أرضه ويتعايش في ظلالها مواطنوه؛ حفظكم الله مولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، ووفقكم لخير عمان وأبنائها الأوفياء وللإنسانية جمعاء.
د. رجب بن علي العويسي
##عاشق_عمان