ليس لي أن اشرح علاقتي مؤخرا مع مستشفيات السلطنة، على الأخص تلك العلاقة التي وطدها العارض الصحي مع المستشفى السلطاني، وأنا التي كنت كلما طلبت تحويلا كان له وجه واحد ووجهة واحدة بحكم العادة والقرب من المسكن ربما أكثر من أي سبب آخر، وليس لي أن أقول إلا أن أقول للبعض في مواقع التواصل أنكم نقلتم لي الوجه السيء عن مستشفيات السلطنة، كم أرعبني حديثكم عن مستشفى الرستاق وصحار ونزوى وغيرها، كنت أمتعض كثيرا وأسايركم بالمطالبة بالأفضل، شاءت الظروف أولا ذات يوم أن يتم نقلي إلى مستشفى الرستاق وقد فاجئني المستشفى بمن فيه أنه كيان مختلف عن بيت الأشباح الذي رسموه في رأسي، ماذا كان ينبغى أن يكون عليه أكثر مما كانه؟
كل شيء فيه كان جيدا جدا، وأنا المصابة بهوس الاختناق والاشمئزاز من معظم الأماكن التجمعية فمابالك بمستشقى!
ولكن الأمور مضت على غير ما كنت أحسب..
وابتدأت رحلتي مع المستشفى السلطاني، دخلته عدة مرات وكنت ألهث للسفر والعلاج ولم أقتنع بكلامهم وسافرت للخارج وجئت على نفسي ومالي وصرفت ماصرفته، كنت العنيدة التي لم تثق كثيرا بكوادر وطنها فأعادتها الظروف إليهم، أليس من الجميل أن تجد بشرا لاتربطكم بهم إلا الجغرافيا يهتمون بشأنك وبشأن زملائك من المرضى الذين بعد سهد الظروف والليالي وجدوا راحتهم بين أركان بلدهم ومستشفياته، حين يقلق عليك طبيب التنفس ويكون أكثر حرصا على تتبع أخبارك، حين يستقطع من وقته ووقت الأقسام لحظات ليرد على تشاؤلاتك وقلقك، حين يقول لك طبيب من أكفأ الأطباء كالدكتور نبيل اللواتيا لن أيأس، ماذا سيجني من يأسي أنا واحباطي، ولكن في عينيه عزيمة اكمال الخطة مع إني كنت على المستوى الشخصي سلبية الاستجابة بطيئة الاقتناع، أنصب لي في كل ليلة لا أنام فيها عزاء ومآتم
حين تتظافر جهودهم جميعا وبين التنفس ومركز القلب يحاولون انتشالك من اختناقاتك وأوجاعك ويفكرون عنك بك، يقدمون موعدك إن طرأ لهم فحصا أو نتيجة تربكهم، حين تتلعثم قراءات قلبك وترتبك ويقرر طبيب كهربائي القلب الحاذق أن يكون احد أفراد عائلتك ويتخذ قرار إحالتك من عناية القلب إلى غرفة العمليات وتسلم له ولطاقمه الأمر وبداخلك ثقة نبتت من تجارب تعاملك وترددهم حولك، حين تبتسم لك فنية تخطيط القلب وتضحك وهي تؤدي عملها معك ومع غيرك وكأنك تعرفها وتعرفك هنا تتأكد أنك ذات يوم كنت ظالما لهؤلاء لأنك لم تقترب منهم وكم كنت جاهل.
حين ترفع معنوياتك طبيبة راقية كالدكتورة غالية وهي تضع مشرطها لتغرس مع الجهاز بجانب قلبك الأمل وتقول متأكدة أن هذه العيون الجميلة ستكون بخير فعليك أن تتأكد أنك ستنجو
حين يطمئن عليك ويتابعك كطبيب إنسان مثل الدكتور راشد العلوي وكذلك الدكتور عامد العريمي وكأنك من بقية أسرته ويخبرك مريض أخر أنها عادته أيضا معه ومع كل المرضى تعلم أنك تنتقد احيانا على غير وعي وأن القطيع يلتف معك بك وأنت تحسب ذاتك ناقد.
حين سألني ذلك المضمد الشاب بعين رؤوفة تملئها الشفقة وأنا التي أدخلت يومها العمليات بقرار فردي وعاجل يقول لي أختي هل جاء احد من اهلك معك
هل أبلغتهم؟
أذكر أني رددت لحظتها عليه ولعله يقرأ هذا المقال اليوم ويعرف نفسه ويبتسم لتلقائيته حين قلت
نعم اتصلت فأنتم جميعا أهلي ومعي فمن بقى لأيأس أو أقلق
أو أنتظر دعما روحيا أكثر من ذلك.
علمتني الأيام أن أكون أكثر تأنيا وألا أطلق الأحكام الهوائية وأن أبدي رأيي بعد اليوم عن تجربة لاتنظير..
تزامن موعد المستشفى مع اليوم الذي أشيع فيه في مواقع التواصل أن مرضى السرطان يعانون وأن لا أدوية لديهم بالصدفة متواجدة واحدى الصديقات تتلقى العلاج مع مجموعة كبيرة من الصابرين على هذا البلاء الخبيث وكانت الأمور عادية وأنا أقف على بلاط المستشفى وأرى بعيني غرابة ما ينقل من خطأ واشاعات وكيف أن العامة والبعيدين ينقلون بلا تؤدة أو احتكام، فتيقنت أن الاستعجال والجهل قاتل ظالم عاجل.
شكرا لكم جميعا جميعا
أطباء وموظفين وكوادر والشكر موصول لكم إلى أصغر عامل حتى ذاك الذي يمسح بتعبه أرضية المستشفى لنكون بخير
منى المعولي
#عاشق_عمان