ما أعظم صمت العُظماء وما أجلَّ أعمالهم قبل أقوالهم، كُنا نسمع بين الفَينةِ والأخرى ونحن في ميدان الحقل التربوي كلمات النشيد الوطني حينما يصدحُ بها طلبتنا “..أبشري قابوس جاء..” لكنها لم تسترعي انباهنا ودلالتها العميقة؛ فلم نعاصر مرحلة عُمان التي تطحنها الانقسامات الداخلية، ولم نمضغ كآبة العيش الكئيب، فلم نُبصِر عُمان الهُلامية التي يحكيها لنا السابقون من رعيل هذا الوطن، أبصرت أعيُننا وأفئدتنا على رِواق هذا الجُزءِ من العالم وقد ترصَّعت عُمان تاج الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي والعلاقات الحضارية الرصينة والرزينة مع العالم، عانقنا سماء عُمان المؤسسات والحداثة وهي ترفل في نعيم التعليم والصحة ورخاء العيش، بَصرنا عُمان الحديثة وقد نفضت عن ثوبها دنس الاقتتال القبلي والتشرذم المذهبي والتمزُّق العِرقي، بَصرنا أرض النحاس وهي تُعانق الثُريَّا في تلقين العالم دروساً رائدة في أدبيات السلام الحضاري وصون كرامة الحياة البشرية وإِجزالِ الحقوق وماهية التَّشبُّث بالهوية الوطنية.
ما أجل تلك العبارة وهي تشدوا بين أروقة البشر والحجر “..أبشري قابوسُ جاء..” وما أشبه اليوم بالبارحة؛ فحينما تشرَّفت عُمان بالمقدم الميمون في بداية السبعينات تهلَّلت البلادُ شوقاً لبناء الدولة، وحُباً لمن بيده خارطة طريق تنموية تُخرجها من عمق الزجاجة ومن الظلمات إلى النور، واليوم يُعيد التاريخُ تلك الصورة لكن هذه المرة يُقدِّم فيها الشعبُ نفسه لمن عشقهم حتى النُّخاع ويبقى السؤال ونحن في وسط بُركان الانقلابات والثورات والاعتصامات والمعارضات والقتل والتدمير كيف يُمكنُ لرجلٍ أن يُخلِّد حُبه بين جموع الناس بمُختلف مذاهبهم وأجناسهم وأطيافهم الفكرية والمذهبية؟
إنها عظمة الصامتين وسِرُّ العاملين بإخلاص دون بهرجةٍ أو فقاعاتٍ إعلاميةٍ منفوخة، هي هكذا حتمية العدل والإنصاف والتنمية والتضحية بالصحة والحياة لخدمة الوطن ومن على أرضه.
فحق للعمانيين أن يُفجِّروا ينابيع الحُبِ والولاء والوفاء للقائد الوالد، فلتنطلق مسيرات البهجة دون توقف، وليُسمع العمانيون العالم أننا نملك نموذجاً ديمقراطياً نُفاخرُ به بين أرقام العمالقة، ومسلكاً سياسياً رشيداً تفرَّدُ به ونسير على نهجه، وحق لعاهل البلاد المُبجَّل أن يُفاخر بشعبه الوفيّ الذي خرج وسيخرج زُرافاتٍ ووحداناً للتعبير عن سروره بعودة قائده الميمونة، وليرحم الشامتين والمُطبِّلين على وتر التفرقة والانشقاق قلوبهم التي تتقطَّعُ كمداً وغيضاً دون أن يكسر الشَّيبُ ظهره أو يُوهِنُ المرض هامته فهم لا يرقبون في البلاد إلاًّ ولا ذِمَّة فليموتوا بغيضهم.
حفظ الله السلطان قابوس وألبسه ثوب الصحة والعافية وجعله ملاذاً للبُسطاء والفُقراء والمُخلصين لهذا الوطن الشريف، ثق أيها الأب القائد أنك ستظل نموذجاً خالداً تتعلَّمُ من هيبة صمتك وعظيم عملك الأجيال المتعاقبة، وستظلُ عُمان تشدوا عاماً بعد عام (..أبشري قابوسُ جاء..).
وكل عام ومقامكم السامي بصحة وجمال وعافية
سلطان الخروصي
#عاشق_عمان